عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتاه بينَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ، وعبدُ اللهِ يُصلِّي، فافتتَحَ النِّساءَ، فسَحَلَها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أحَبَّ أنْ يَقرَأَ القُرآنَ غَضًّا كما أُنزِلَ، فلْيَقرَأْه على قِراءةِ ابنِ أُمِّ عبدٍ"، ثُمَّ تَقدَّمَ سَأَلَ، فجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: سَلْ تُعْطَه، سَلْ تُعْطَه، سَلْ تُعْطَه، فقال فيما سَأَلَ: اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ إيمانًا لا يَرتَدُّ، ونَعيمًا لا يَنفَدُ، ومُرافقةَ نبيِّكَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أعْلى جنَّةِ الخُلدِ، قال: فأَتى عُمَرُ رَضيَ اللهُ تعالى عنه عبدَ اللهِ ليُبشِّرَه، فوَجَدَ أبا بَكرٍ رِضْوانُ اللهِ عليه قد سَبَقَه، فقال: إنْ فَعَلتَ، لقد كنتَ سَبَّاقًا بالخيرِ( ).
الإيمان الذي لا يرتد معناه أن صاحب هذا القلب أصبح مدمنا لحب الله، فوصل إلى مرحلة عالية جدا، فلا ينبغي له أن ينزل عنها.
وقد تكلمنا في إحدى الحكم الربانية أن الإنسان عندما يتحول من عز الطاعة إلى ذل المعصية؛ لوجود حجاب يفصل بينه وبين رحمة الله تعالى، يقول تعالى: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} [طه: 121]، يعني دخل آدم عليه السلام في الغواية عندما خالف الله تعالى، ولو لم يعص الله ما غوى، ولو لم تختلط الوسوسة من الشيطنة بسيدنا آدم عليه السلام لظل على ربانيته العالية، ولكن لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى، ولتحقيق معاني الأسماء الحسنى في آدم عليه السلام حدث ما حدث وإن الله لا يكتب المعصية على عباده، وإنما يقضي بعلمه، وقد عوتب آدم عليه السلام من سيدنا موسى عليه السلام، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حاجَّ مُوسَى آدَمَ، فقالَ له: أنْتَ الذي أخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الجَنَّةِ بذَنْبِكَ وأَشْقَيْتَهُمْ، قالَ: قالَ آدَمُ: يا مُوسَى، أنْتَ الذي اصْطَفاكَ اللَّهُ برِسالَتِهِ وبِكَلامِهِ، أتَلُومُنِي علَى أمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي - أوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي - قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى( )".
تعجب موسى عليه السلام من كلام آدم وهو لا يبحث للمعصية عن أعذار لأن الله تعالى لم يرد المعاصي للعباد، وإنما يقدرها بعلمه، فالله تعالى يعلم أنك ستقع في المعصية في مكان كذا وفي وقت كذا، ولكنه تعالى لم يأمرك بالمعصية، ولم يردها لك، ولكن الشيطان هو الذي دلاهما بغرور، يقول تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)} [الأعراف: 22].